طالما أننا نعيش مصيراً واحداً قد ألجأنا إليه هذا الميكروب، وجعل الناس فيه سواسية كأسنان الحمار..
واعتذر عن سَوق هذا المثل الذي قد يراه البعض عديم الوقار وفيه خروج عن طوق اللباقة، فالأمثال تتنزل بحسب الأحوال، والعرب تسوق هذا المثل على سبيل الذم والنقيصة لكل قبيلة يتساوى أفرادها في الفضائل والمعاني ويكون الجميع فيها سواسية كحال الناس اليوم، فقد سلب هذا الميكروب امتيازات البشر وأعدم رفاهيتهم وفرض عليهم واقعاً جبرياً لا يطيقون معه إلا التسليم. لقد زرع بين أجسادهم التناكر والبغضاء، بعدما كان التصافح والتعانق أبلغ سلوك تعبيري اجتماعي إزاء من نحبهم، صار الجميع ينطق بصمت مبين.. ” لا مساس ” شعاراً أمسى لكل لناس.
انتقل إلى صورة أخرى من واقع الناس حينما أُلجِئوا قسراً إلى لزوم منازلهم قطعاً لدابر العدوى وفشوها بينهم، ولاَحِظوا هنا أنني قلت: أُلجئِوا قسراً، وهذا مثار عَجَب ومبعث اندهاش، إذ المفترض أن الناس تنساق لهذا السبب حبُاً وطَوعاً لا تبرماً وكرهاً، لاسيما ومعائشهم مكفية وحوائجهم مقضية، غير أنك تكتشف أنهم يساقون إلى منازلهم ومآمنهم بالعسف والقهر سَوق الأنعام، وأعجب من ذلك أن ترى من يختلق الحيل ويبتكر الأخاديع للهرب إلى حيث هَلَكته في سبيل نزوة وضيعة لا تَعدِل في ميزان المتعة شروى نقير، وتراه يبذل قُرباناً لها حياة والده أو ولده أو زوجه أو حياتهم أجمعين.
وأنا أنزه جنس الحيوان حينما أشبهته بهذا المخلوق المرَيد، فإن الحيوان يعلم بغريزته ما ينفعه وما يضره، إلا أن هذا المستأنس يعلم ولكنه لا يكترث، وترانا إذ نرتضي مجافاته لصوت عقلة فكيف نتصور أن ينخلع من إيهاب عاطفته ويُدخِل أسباب الموت والضرر على نفسه وأهله.. فمن أحق بالحيونة إذاً.! تتواثب في ذهني عبارة (نيتشه)
” إن القرود أكثر طيبة من أن يكون الإنسان قد تحدر منها “
انتقل إلى الصورة الأعنف غرابة وهي حينما أَصفَقَت الدور على أهلها وأمسى الناس رهن الإقامة الجبرية..
أقول.. هل لامسكم إحساس الوحشة الذي تملكهم وحالة التناكر التي حاقت بهم؟ لقد كانوا ينظرون إلى بعضهم نظر المغشي عليه من الموت، رجالاً ونساءً شيباً وولداناً، وهذا لعمرك من اختلال الفطرة وشذوذ العادة أن أضحت علاقة الناس بمنازلهم أشبه بعلاقتهم بأماكن الخلاء وقضاء الحاجة، ومن الشديد على النفس أن تمكث النفس في مكان قضاء الحاجة من غير ما حاجة،
وكنت أتساءل.. ما الذي جعل الناس تنفر من بيوتها ولا تجد الطمأنينة إلا في الشوارع والأسواق والمجامع..، ما هذا السلوك الشاذ الذي تواطأت على هضمه عوائد الناس الرديئة واستمرأته أطباعهم الهجينة وأصبح الوجود في الشوارع أصلا،ً والمكث في الدور عرضاً..؟
حتى ألفيت تعليلاً لطيفاً لأحد الحكماء يصف هذه الطفرة السلوكية الاجتماعية، سأسوقه بتصرف غير مخل.
يقول الحكيم: إنما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته وغياب الفضيلة من نفسه، فيتكثّر حينئذ بملاقاة الناس طلباً لطرد الوحشة والوحدة عن نفسه بالانغماس معهم.
وأقول من ههنا يرسم السَوَقَة ملامح المجتمعات، فترى الكل لا يحمل بين جنباته سوى الفراغ.. فراغ يلتحق بفراغ هرباً من الفراغ، ولك أن تتصور هيئة المجتمعات حين تُصاغ بأخلاق الفارغين، والعاقل الكيس لا يستقيم له حال ولا يستقر له مقام إذا انغمس في جوف هذه الغيمة الفارغة العقيم التي لو اعِتَصَرت لن تمطر إلا التفاهة والسفة،
ينقل الخطابي رحمه الله عن العزلة، “أن لو لم يكن فيها إلا السلامة من صحبة العامة والراحة من تعب مجالستهم ومصابرة أخلاقهم وما يستفيده الإنسان من مفارقتهم وكفاية مؤونة تقويمهم وأمنه من غوائلهم في حرصهم على أنفسهم أو إذا أمحض النصح لهم”. وأقول: من ذا الذي يسلم من عَادِية الناس ويأمن بوائقهم في دينه أو دنياه أو بهما معاً وهو يتقلب بينهم، إن مجانبة هذا الواقع متعين على العاقل بل أنه في أحيان يكون قربة إلى الله.
ويظن الجاهل أن الاستكثار من الناس عِصمة له من صروف الدهر، ونجاة من تنكب النعم وتبدل الزمن وهذا من صميم الغفلة ومن جسيم الغرور لكن الفطن الحصيف يدرك هذا لحال و أن الاستكثار من الناس لا يورث إلا الغم والهم والخيبة والأسى.
ألم يقل الأول: وما أكثر الإخوان حين تعدهم … ولكنهم في النائبات قليلُ
وإن كان هذا حال الإخوان فماذا تلتمس من سائر الناس.
ينقل عن أحد السلف كلام لطيف ظريف جامع لهذا المعنى، يقول: ” إن من إخواني من لا يأتيني في السنة إلا اليوم الواحد، فهؤلاء هم الذين أعدهم للمحيا والممات، ومنهم من يأتيني كل يوم فيقبلني وأقبله ولو قدرت أن أجعل مكان قبلتي إياه عضه لعضضته”. وأقول: هذا لعمرك عين الحق، ألم ترَ إلى الناس في مجالسهم ومجامعهم كيف يقابل بعضهم البعض بالقبل والأعناق وما إن يتفرقوا وينفض سامرهم يسلق بعضهم البعض بالسنة حداد.
ومن فواحش العوام في هذا الزمان نظرتهم المتدنية لمن رام اعتزال جمعهم وجانب سخف واقعهم، ولو علموا بباطن شعوره تجاههم وما يعتمل في دخيلته إزاءهم لا تستكثر أن يسلطوا صبيانهم ويحرشوا مجانينهم عليه يوسعونه شتماً وضرباً كلما رأوه في الغدو والآصال، فقد قيل للفيلسوف ( طيماوس) لم صرت تسئ لقول في الناس؟ قال لأنه لا يمكنني ان أسيء إليهم بالفعل، ويذكر ايضاً أنه كان مرّة في الصحراء، فقال له إنسان: ما أحسنَ هذه الصحراء، فقال: لو لم تحضرها أنت.
وينقل أن شريكاً القاضي رحمه الله خرج من دار المهدي فاحتوشه أصحاب الحديث فانبرى له رجل فقال: أتريد أن اطردهم عنك يا أبا عبد الله، فقال: وانطرد معهم.
تلك الأنفس وإن رأيتها تخوض راغمة في فلك الغوغاء إلا أنها سرعان ما تخَنُس إلى ملكوتها المقدس وإن حسبت الجسد هائماً في مدارج المحسوس فإن حقيقتها منجمعة إلى بعضها تتوقى أدنى باعثٍ يهيج جمعها.
لذا ينقل عن أحد السلف انه يقول: إني لأتمنى المرض، فقيل له ولمَ ذلك.! قال: حتى لا أرى الناس.
نُشرت هذه الصورة في مجلة المصور لمصرية عام 1927 ميلادي أي ما يقارب 91 سنة، الصورة تحكي أطوارالزي البحري العرفي عند المرأة الأوربية بين حقبتي 1897 و 1927 في ذلك الوقت، ولو أنك قصصت على أحد أن المرأة الأوروبية قبل أكثر من 120 سنة كانت إذا أرادت أن تذهب لتستجم على شاطئ البحر فإنها تكون في غاية سترها وكامل حشمتها وكأنها ذاهبة إلى الكنيسة أو لتأبين فقيد، بالكاد سوف يسخر من قولك وربما رجم عقلك بالخرف أو وصم ذهنك بالتلف.
اعتبر ان هذه
الصورة المنتخبة بمثابة وثيقة أصيلة تعكس لك جانباً خُلقياً من حقيقة الحياة،
وأنها في جملة أحوالها ذاهبة للأسوأ، وأن جل سوئها محمول
على عاتق النساء، وأن النساء هن الذراع الفاعل في صرف أخلاق الحياة إلى معناها
المتسافل، وأن الدركات المظلمة التي أخلدت إليها الحياة ما كانت إلا من وحيهن، وما
آلت إلا بهداية أفكارهن، وأنه لم يستقر مزاج الأرض ولم تذهب ثمالة العبث عن صفحتها
إلا حينما تقهقرت صولة المرأة وانزجر غرورها.
وأنبه
هنا أنني لا اتقصد النقيصة من جنس المرأة والحط من شأنها والنيل من جهودها وجحود
مجهودها وازدراء وجودها، فنظرتي لها وفكرتي عنها لا تجاوز ما ذكره الله في كتابه
وما أمضاه في سنة نبيه وما تلقفناه عن سلوك أصحابه واتباع أصحابه، وكذا ما ارتضته تجربة التاريخ مع جنسها.
ولكن لو استحب أحد حمل هذه الفكرة على أنها مجرد مشاعر نافرة إزاء المرأة من قِبل كاتبها، فإنني لا أنفي هذه التهمة بالكلية ولكني أقيدها وأوجهها بصدق وعناية إلى ذلك النوع النسائي المارق عن مساره، المتكاثر عدداً والمتغلب أخلاقاً، ذلك النوع الزاحف بفطرته المختلة على نظامنا الحياتي، ذلك النوع الهائم بمشهدنا الاجتماعي إلى غايات مجهولة، ذلك النوع الراكض بنا على مضمار متباعد الوصول، ركض بسيقان النساء.. لكن اللهث بِرِئات الرجال.
باختصار تستطيع القول أن فكرتي عنها ومبتغاي منها لا يجاوز كثيراً أسوار ذلك البيت القائل:
فهي شيطان إن
أفسدتها … وإن أصلحتها في ملك
وأرانا ما نزال محابيس معها في شطر البيت الأول.. بل ومقرنين في الأصفاد..!
المرأة والحياة في فلك السفول
أقول: ولو أمعنت بصيرتك وأسبغت فكرتك لقلت سبحان من أشبه المرأة وأخلاقها بالحياة وأحوالها، وسبحان من جمع بينهما في الطِباع وصالح بينهما في الخِلال وألّف بينهما في الشيم، ولا عجب إن وجدت نصوص الكتاب والسنة في هذا الحيز تنساق مع هذا المساق،
فقد وُصِفت الحياة بأناها غرور وأنها زينة وأنها لعب وأنها شهوة وأنها فتنة وأن النقص مركب أصيل متأصل في عنصرها، ثم إنك لتدرك في أخلاق النساء وأحوالهن كل ذلك.
وإنك أيضاً
لو تأملت نصوص الكتاب والسنة تجد أنها لم تقف إزاء الحياة موقف الحيدة والتقدير
ولم تنظر إليها نظرة الإجلال والتبجيل، بل على النقيض من ذلك، تجد أنها ذهبت إلى
الحَطّ من قدرها وكشف خبيئتها، وحذرت الركون لها والانغماس في لذتها والتقلب في
زينتها، ونبذت الاطمئنان إلى بهرجها والأنس بزخرفها.. وأنها لا تعدو إلا أن تكون
وسيلة مفعمة بالابتلاءات محفوفة بالمفُتِنات وذلك للخلوص إلى دار البقاء والخلود،
جنة الله الموعودة، الغاية المنشودة لعبادة الصالحين، وأن من أصخى إلى غرورها
تخطفته حبائلها، هلك وباء بالخسران المبين.
كذلك تجد في
نصوص الكتاب والسنة أنها حاصرت جنس المرأة وجرَّدت لها حسام التقريع والتبكيت
وأشارت صراحة أنها ذات طباع حري بمحاذرتها والتحرز من خَطَراتها، وأنها مبعث قلاقل
في الحياة لو تركت منفردة لحكومة أخلاقها.
ومن اللطف
العجيب أنك تجد في الحديث المتفق عليه أن المرأة والدنيا قد اجتمعتا معاً على معنى
من سوء الظن وأقرب ما يكون إلى
مقام الذم، يقول عليه الصلاة (إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فاتقوا
الدنيا واتقوا النساء) الدنيا والنساء.! نقول: فهل ثمة بعد خفي بين تآخي أخلاقهما
وتلاطف سلوكهما؟ وإن كان ذاك.. فمن هو المؤثِر ومن هو المتأثر..؟ لا أعلم ذلك
جزماً.. ولكن أظنهما من بعضهما مؤثِر ومتَأثر، غير أن ضلوع النساء في المشهد
الكوني أكبر، وذلك لسبق جنايتهن على النوع الإنسي، ليست في الحياة الدنيا وحسب
وإنما في الحياة العليا أيضاً، أقصد جنة الخلد، حينما أُهبط أبونا آدم عليه السلام
من مقامها العلي، فكثير من النصوص والآثار في هذا الحيز تتجه إلى ذلك الاحتمال
القائل بتورط المرأة في الرزية الكبرى التي حاقت بنوعنا الجنسي فأعقبتنا حسرتنا
وأورثتنا شقوتنا.
ملحمة الغواية
الكونية
في تفسير قوله جل وعلا (وقلنا يا آدم اسكن أنت
وزوجك الجنة.. الآية) يذكر القرطبي
رحمه الله عن ابن المسيب قوله: “إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر
وكان في غير عقله”، وكان يحلف بالله (يقصد ابن المسيب) أنه “ما أكل من
هذه الشجرة وهو يعقل”، ثم أردف القرطبي، أن أول من أكل من الشجرة، حواء
بغواية إبليس، وأن أول كلام إبليس في هذا
الأمر كان معها، وأنها قالت لآدم ذلك
فأنكر عليها، وذكر العهد، فألح إبليس على حواء وألحت حواء على آدم، إلى أن
قالت: أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شيء سَلِمت
أنت، فأكلت فلم يضرها شيء فآتت آدم فقالت: كل.. إني قد أكلت فلم يضرني، فأكل فبدت
لهما سوآتهما.
هذه القصة
مستفيضة في الشرائع الإنسانية وفي الكتاب المقدس وفي سفر التكوين تحديداً تجد أن
آدم وحواء في مقام سؤالهما من الخالق بعد الأكل من الشجرة وبُدوّ سوأتيهما قال
آدم: هي أغوتني وقالت حواء: الحية أغوتني، وكانت الحية اسم من اسماء الشيطان، وعلى
إثر ذلك تلقت حواء حكماً أرضياً شديداً من ربها، حيث البلاء الذي سوف تلاقيه،
والشقاء الذي سوف تعانيه من تعب الحبل وأوجاع المخاض وسلطان الرجل عليها، هذا في
سفر التكوين
وإن قلنا أن هذه
الأخبار لا تسلم من آفة القديحة التي تعتريها فإن تواردها في التراث الإنساني يسبغ
عليها شرعية راسخة،
ومن البراهين
القائمة على ثبوتها قوله عليه الصلاة
والسلام: ( لولا بنو إسرائيل لم يخنَز اللحم، ولولا حواء لم تَخُن أنثى زوجها
الدهر) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم ، وفي ظاهره إشارة صريحة على أن الأخلاق
الناقصة عند المرأة إن هي إلا نتاج عامل
وراثي (بايولجي) من حيث الأم الأولى حواء
عليها السلام. وتوارث الأخلاق معهود وله واقع مشهود، في الحديث الصحيح (فجحد آدم
فجحدت ذريته، ونسي آدم ونسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته) تلك دلالة ظاهرة على
مضي عامل التوريث وانسحابها على الأخلاق والشيم من الأصل الأكبر آدم عليه السلام
إلى أفرع ذريته الإنسية، فلا جرم إذاً حين يرث النساء هذا الجين الناقص من الأصل الأقدم
حواء عليها السلام إلى سائر نساء الأرض كما في الحديث الشريف الآنف ( ولولا حواء
ما خانت أنثى زوجها أبد الدهر) إنها إشارة فصيحة أن باعث الخيانة الأنثوية هي حواء عليها
السلام.. وأنوه هنا أن مقصود الخيانة الأنثوية ليس محمول على معناها العرفي الذاهب
إلى تدنس العرض وسقوط العفة والتياث الشرف، وحاشاها عليها السلام فإن نساء
الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء، هذا على المعتقد وكذلك لا
يتصور وقوع هذا المعنى في الجنة ولا ثمة ساكن غير آدم وحواء فيها، وإنما مقصودها
محمول على معناها اللغوي الذاهب إلى شح الوفاء وعدم بذل النصح للمنصوح من المظنون
به ذلك، والمرأة من أخص من يتوجب عليها حفظ الوفاء ومن أمَسّ من يتشوف منها محض النصح
والأظن الاّ يؤتى الزوج من قِبَلها
لكن
حواء في هذا المقام العظيم غادرت ذلك المعنى وصرفت إرادة زوجها إلى غير السبيل
الراشد. وهذا معنى له شواهد لطيفة في أخلاق النساء، أنها حينما تتطلب أمراً أو
تتشوف بغية، فإن شعورها يقفز بها مباشرة إلى تلك الرغبة التي تتحول في معمل
أنوثتها إلى مطلب غائي، حيث تحشد لها كل الوسائل المستطاعة لبلوغها غير مكترثة ولا
عابئة بما يترتب على هذه القفزة من سقوط أليم وخيم العاقبة، كما سقط جنسنا البشري
ذلك السقوط الأزلي المدوي من جنة الخلد العلية.. أنا هنا أتكلم عن العامل ( السببي
)
وكما ذُكر في
الإنجيل ” أن الموت جاء إلى العالم مع سقوط الإنسان”، بوسعك أن تستدرك فتقول:
أن الموت جاء إلى العالم مع سقوط الإنسان بتحريض النساء.
إن الرغبة
الأنثوية تدمر كل الهياكل المنطقية في سبيل منطقة غايتها وبلوغها، مع أن قانون
المنطق مجرد من عمل العواطف ومنافٍ لأحكام المشاعر، إلا أن المرأة تريد عالما
محكوم بقانون عواطفها المتقلبة الذي تأبى أن يضبطها ضابط سواء كان من عقل أو من نقل، ومن هنا تطرق إليها النقص
الحتمي، ومن هنا جاء التحذير التاريخي من أخلاقها وعدم الاغترار بأحوالها.
في سورة يوسف يقول عز وجل: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) في السياق نلحظ، كأن خُلق الكيد وتعاطي سلوك المكيدة سِمة أصيلة انفطرت عليها طبيعة الأنثى ( إنه من كيدكن)، فالكيد يدخل في عمومه بذل الحيلة وحوك المؤامرة وتدبير لأحابيل، والنساء من شِدّ تمكنهن من هذا المعنى وهيمنتهن على هذا الخلق وَصَف القرآن اقتدار كيدهن بأقصى مفردة تُصَوِر قدرة الموصوف وتَفَوق قوته، بقوله: (عظيم) كما وصِف به أكبر ذنب يقترفه العبد وهو الشرك بالله.. (إن الشرك لظلم عظيم) يعني قدرة لا يقادرها قدرة، وقوة لا يفوقها قوة.
ويزكّي ذلك المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ) هذا الحديث عند البخاري ومسلم، وبخلاف اقتضائه بحتمية النقص المضروب على جنس النساء وامتياز جنس الرجال واستعلائهم عليهن إلا أنه قد ينبعث استفهام لطيف مفاده: كيف تكون هذه الموصوفة بآفة النقص، القدرة على صرع ذلك المتكامل الحصيف، مليء العقل، سديد الرأي، نافذ البصيرة، فصرعُها إياه برهان تفوقها ودليل اقتدارها عليه، وخليق بالمتفوق المقتدر أن يوصَف بالتفوق والقدرة على من قَدر وفاق عليه وليس العكس، كما أن أولى بالمصروع المنهزم أن يكون أنقص وأحط منزلة من الذي صرعة وتفوق عليه، فهل ينتظم أن يكون نقصهن من حيث كمالهن، فهذا منافٍ لشرعة المنطق ومدركات العقول، لكن نقول: أن الأمر ليس مسلم على تلك الحال، فبالفعل أن المرأة تستحوذ على ملكات عقلية فائقة، لكن هذه الملكات تخضع دوماً لتوجيه الغريزة البهيمية التي تهيمن على أكثر أحوالها حينما تقصد بهذه الملكات دفع مرهوب أو تخشى فوت مطلوب، فسرعان ما تتلبسها تلك الحالة الحضيضية، فهي لا تُخضِع الغريزة لمعيار العقل وإنما هي تخُضِع العقل لمعيار الغريزة، وهذا الفارق بينها وبين الرجل، ومن هنا جاء التصوير النبوي في صرعها للرجل الذي فاقها بسطة في العقل والجسم.
قوارير من
فولاذ
واعتبر أن الفيلسوف الروائي الروسي (تولستوي)
من أجود من جوّد في هذا المعنى وله مثال نفيس نابغ، حيث يذكر في روايته التليدة
الوفاق والطلاق أو (لحن كريستر) أن مثل النساء في ذلك كمثل اليهود الذين سادوا
وتسيدوا العالم بقدرتهم المالية، فإنهم يحاسبون الشعوب بها على ظلمهم ونبذهم
واضطهاد وتسلط الآخرين عليهم، وهكذا لسان حال النساء يخاطبن الرجال قائلات: أنتم
تطلبون منا أن نكون مثال الرقة ومثال الإحساس ومثال الطاعة، فنحن كما تبتغون منا،
ولكننا بهذه المعنى نستعبدكم ونسود عليكم ونجعلكم رهن اشارتنا.
هذا إذاً اتجاه تولستوي عن حقيقة المرأة وجنسها
مع الرجل أنه أشبهها بسلوك الحركة اليهودية في العالم التي اكتنزت الأموال الطائلة
لكنها سخّرت تلك الأموال في تكريس حالة المسكنة والصغار التي ما انفكت تلازمهم عبر
التاريخ مع أنه كان بمقدور اليهود أن يرتفعوا من ضعتهم ويقهروا ذلهم بهذه الأموال، وينسفون به كل العقبات التي
حالت دون نهوض كرامتهم وتمكين سيادتهم في العالم، والمرأة كذلك: لو أنها استعانت بهذه
الملكات الجاذبة ولم تسخّرها في الحيّز السافل القابع تحت ضغط غريزتها وصرفتها في
الجانب السامي لا ارتقت وتفوقت بها.
لكن هل نظن
أن تولستوي أفرط في غلوائه حينما أسبغ على المرأة هذا التشبيه الصارم، إن في
تراثنا العربي شواهد باذخة تجعلك إن وقفت على شفير خبرها تحقر أي صورة تتجاسر إلى
ظنك لتِقرب لك هذ المعنى.
على سبيل
المثال نجد في قصة عِمران بن حطان الخارجي
وقد كان على هدي السلف، حيث يذكر الذهبي رحمه الله “أنه كان من أعيان العلماء
وحدّث عن عائشة وأبي موسى الاشعري وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وروى عنه ابن
سيرين وقتاده ويحيى بن كثير”، يحكى أنه تزوج امرأة خارجية وقال أنه سوف
يصرفها عن مذهبها ويحتسب أجر ذلك لله
ويردها إلى مذهبه، إلا أنه وقع خلاف ما أراد، فيذكر أن هذه المرأة كانت ذات جمال باهر،
فوقع في حبها حتى انسلخ من معتقده منصرفاً إلى معتقدها فسبحان
مصرف القلوب، وعمران هذا صاحب أشهر قصيدة
خارجية، تلك التي يبارك بها مقتل أمير
المؤمنين علي رضي الله و يمجّد من قتله، ابن ملجم حيث يقول في صدرها:
يا ضربة من
تقي ما أرادبها …. إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره
حيناً فأحسبه …. أوفى البرية عند الله ميزانا
وماذا لو نبأتك بأعجب من هذا الحديث..
أنك لو علمت أن ابن ملجم هذا الذي يمتدحه عمران بن حطان ما اقترف جريرته وانتحل كبيرته وتأول جريمته بقتل خليفة المؤمنين علي رضي الله عنه إلا بعدما طرقه طارق الهوى فوقع في غرام خارجية تدعى قطام بنت الشجنة قد قتل علي أباها وأخاها يوم النهروان وكانت هذه الخارجية فائقة الجمال ذائعة الحسن وقد رآها ابن ملجم وهي منقطعة في المسجد الجامع تتنسك فسلبت عقله وأُشرِب حبها ومن شد كَلَفه بها نسي حاجته التي جاء من أجلها، فخطبها لكنها اشترطت عليه فوق مهراها أن يقتل أمير المؤمنين رضي الله عنه فاتفقت بغيته مع بغيتها لعنهما الله، فنكحها ثم إنها ما انفكت تحرضه وتؤزه حتى فعل فعلته.. فسبحان مقلب قلوب العباد، المادح والممدوح من النساك العُبّاد ذهبوا فرائس المرأة.. فهذا من مدلول تفوقها النابع من ضعفها
ومن قبيل التنبيه
والإنصاف بقي أن نشير إلى أمر مهم، إلى تلك تهمة الصقت زوراً بالجنس العربي ولفقت
بهتاناً على ديانتهم، وذلك من قِبَل غريمه الغربي، حيث ما انفك يروج أن كل التردي الأنثوي والنقائص الكونية التي حاقت بالمرأة ما كان منبعها إلا من حيث
كان العرب ودينهم، مع أن الغرب الزاعم بصون قداسة المرأة والمدافع عن حقوقها
وتمكين وجودها هو الضالع الأسبق في حشد
المشاعر الباغضة عليها والجامع الأكبر لمثالبها والمنقب الأعظم لمطاعنها، ثم إنه هو من امتهن أنوثتها واستلب حياءها واستباح
عفتها، وإن كانت المرحلة التدينية في الحضارات تمثل الشريان الدافق لتجربة الشعوب
الفكرية.. انظر على صعيد العرض ما ذا يقول رهط من رجال الدين عن المرأة، فتجد
القديس (برنار) يصف “المرأة أنها آلة إبليس”، وتجد القديس ( أنطونيوس) يقول
عنها “أنها معمل أسلحة الشياطين وصوتها فحيح الأفاعي” والقديس (بونافنتوري) يقول أنها ” نبال
الشيطان و(آرميا) يقول: ” أنها باب
الجحيم وطريق الإثم وسم العقرب” وكذلك يرى القديس ( غريغوريس) “أنها سامة كالصِل وحقودة كالتنين”
وأما ي(وحنا) الدمشقي فيذكر أنها “ابنة الغش”، والمتعصب المسيحي (ترتليانس) يقول عنها أنها: “باب
جهنم”. بل وماذا لو علمت عن جبل (آتوس) ذلك القابع في شبه جزيرة جبلية في
اليونان يحوي عدداً من الأديرة المسيحية يحظر دخول النساء وكل ما هو مؤنث باستثناء
الدجاج لغرض الأكل.
ثم بعد ذلك تنقلب تلك الرؤى والمشاعر إلى تهويمات من المبادئ والقيم المخمرة في أذهان الشعوب، فيتخلق فكراً منحرفاً مشوهاً، كالرأسمالية مثلاً، ورثت هذه المفاهيم الشاذة حول المرأة فسخّرتها كأقوى عامل غريزي لغرض التكسب واستجلاب الربح وتحصيل المنفعة بأي شكل كان، طارحة مبادئ الدين وقيم الأخلاق والفطرة السوية التي تواطأت عليها الإنسانية على مر الدهور بعد أن زوقتها والبستها تلك المعاني الماكرة، فتحررت من قيد رجل واحد فوقعت في عبودية كل الرجال.
حقيقة لا أملك إجابة ملاقية لنوازع هذا البوح المتعري حينما شاهدت هذه الصورة، ولكني أظن أن أصدق البوح، ذلك البوح السارح بعيداً عن عيون الأسئلة.. المجاهر بعيداً عن أسماع الظنانين..
ونحن شعب وقيادة ورثنا الديانة وصفاء العقيدة في هذه البلاد كابراً عن كابر قبل جماعة الإخوان بأكثر من 190 سنة، بحكم أن كياننا السياسي لم ينهض إلا على أساس راسخ من الدين الخالص المنقى.
تاريخ الشراكة الصادقة بين الدين والسياسة، توأمة متلازمة على مر حقب ثلاث، وهذه خصيصة أفرد الله بها هذا البلد، ولن تجد لها شبيهاً في سائر الأقطار والأمصار العربية والإسلامية المعاصرة.
نستذكر ميثاق الدرعية التاريخي العظيم بين رجل الدين ورجل السياسة، حينما شارط رجل السياسة: الإمام محمد بن سعود رحمه الله، رجل الدين: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، باثاً إليه وجله ومبرزاً له مخاوفه في حال ما إذا تجشم معه بهذا الأمر ونهض بأثقاله فإنه ينصرف الشيخ عنه إلى غيره، فتنثلم حينئذ بيضة الدولة ويتضعضع قوامها ثم تفشل وتذهب ريحها، فكأن الأمام محمد بن سعود رأى أن هذا الأمر لن يستقيم له كيان ولن يستديم عليه بنيان إلا إذا ارتكز على هاتين القائمتين، وأن ذهاب أحدهما يفضي حتماً إلى ذهاب الآخر معه.
فما كان من الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا أن بسط يده وقال: ” ابسط يدك، الدم بالدم والهدم بالهدم ” فكان ميلاد الدولة العربية التي رتقت أمصار الجزيرة العربية، فحلقت بعدئذ دولة عربية إسلامية بجناحي الدين والسياسة ولا غُنية لأحدهما عن الأخر حتى يومنا هذا.
إذاً فالدولة السعودية لم يختطفها المتدين من السياسي كما حدث في إيران، الأمة التي كان نساؤها قبل ثورة الفقيه يذرعن أرصفة طهران ( بالمني جوب) ودور اللهو وحانات الخنا تعمر أزقة أصفهان وشوارع كرمان ثم أضحت النساء في طرفة عين مخُمّرات الرؤوس مُكمّمات الأجساد.
وأيضاً لسنا كباقي الأقطار العربية نشأت شعوبها على التقاليد والأعراف والفطرة السليمة ثم أتى المستعمر فاستفز شُذّاذها ونصّب أراذلها فأفسدوا أخلاقها وهجّنوا أفهامها واتلفوا أفكارها.
هذه قصتنا الوجودية الكبرى، الديانة لا تنفك عن السياسة، والسياسة لا تنفك عن الديانة، بلاد وعباد مصيرهما أن يُحكَمان ويَحكُمان بما أنزل الله، وقد أفصحنا عن هذا المعنى وأعربناه بعد أن دخلت الديار المقدسة تحت جناح سيادتنا، فشئنا أم أبينا أن النظرة المصوبة إلينا والفكرة المنظومة عنا من آفاق العالم أننا حوزة الإسلام وعصمة الدين ومهوى أفئدة جميع المسلمين.
لذا..
لا ينبعث علينا كل مدخول الفهم ولا ينتفش علينا كل موتور الفكر وليمسك عنا كل من في قلبه لَوَث، ومن يريدالنيل من شعائرنا وهتك ثوابتنا وتدنيس قيمنا وطمس هويتنا
لأننا..
أُمة عرفت نقاء الديانة، وصفاء العقيدة، وفطرة الأخلاق الحميدة، قبل الإخوان ب 190 عام.